الخميس، 12 يناير 2012

هذا ما تميز به الإمام محمد بن عبدالوهاب




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين بإحسان

أما بعد

ما تميز به الإمام المجدد المجاهد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عن سائر الدعاة بعد القرون المفضلة ( وفي كلٍ خير ) هو أنه استفرغ طاقته وركز جهاده في الدعوة إلى أصل دعوة الأنبياء عليهم السلام , ألا وهي الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك

يقول الله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء : 25]

ويقول سبحانه ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) الآية

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فليكن اول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ) وفي رواية للبخاري ( فليكن اول ما تدعوهم الى أن يوحدوا الله تعالى )

ولذا نسب أهل الضلال والأهواء كل من دعا إلى التوحيد وحذر من الشرك من بعد الشيخ نسبوه إليه , فقالوا ( وهابي ) حتى أن بعض جهالهم يقولون ( ابن تيمية وهابي ) مع أن الشيخ ابن عبدالوهاب ما جاء بشيء من عنده , بل دعوته هي أساس الإسلام وقوامه

الأنبياء عليهم السلام كانوا دعاة عامة وخاصة , وكذا الشيخ رحمه الله , كان داعية عامة وخاصة , يفهم كلامه المسلم والكافر , و العالم والجاهل , والحاكم والمحكوم , والصغير والكبير , والحاضر والبادي

لم يكن خطابه نخبويا خاصا لطبقة من الناس

هاكم مثال على أسلوبه رحمه الله

يقول في الأصول الثلاثة

( الأصل الأول: معرفة الرب:

فإذا قيل لك:من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.

والدليل قوله تعالى: الحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْن [الفاتحة:2] وكل من سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم.

فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع، والأرضون السبع، ومن فيهن وما بينهما. ) ا.هـ.

لاحظ كيف يخاطب الناس , وكيف يَسُوق لهم الدليل من القرآن ويربطهم به لتعليمهم التوحيد , لأن القرآن الكريم نزل للناس كافة ,

يخاطبهم بأسلوب بسيط ولغة مفهومة ( كما هي طريقة الرسل عليهم السلام )

يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( العلماء ورثة الأنبياء ) الحديث

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس كافة , فيفهم كلامه الناس على اختلاف مشاربهم وأفهامهم

وهكذا كل من اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته , يسعى لإيصال الرسالة للناس كافة

وكان الشيخ رحمه الله من العلماء العاملين المجددين

وفقه الله وأنار بصيرته بالعلم أن يعرف ما هو أول أولويات الدعوة إلى الله , بالرغم من أنه ولد في مجتمع وجدت فيه البدع والشركيات

وفقه أن يعرف ما هو أول وأعظم شيء يحبه الله , وما هو أول وأعظم شيء يبغضه الله تعالى

فتعلم وعرف أنه الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك

ولم يكتف بهذا

بل سعى وجاهد للعمل بما علم , على الواقع الذي يعيشه , فانتشرت دعوته , وبارك الله فيها إلى يومنا هذا وإلى أزمان إن شاء الله

وما كان لدعوته أن تنتشر وتثمر إلا لأنها مؤيدة من السماء , لأن الله جل وعلا ينصر من ينصره , فدعوة الشيخ كانت على النحو الذي يحبه الله ويرضى , بل هي التي لا يرضى الله سواها ولا ينصر سواها

فما نفع النصارى تحريمهم الزنا وهم بربهم يشركون

وما نفع النصارى صدقاتهم وهم يقولون ثالث ثلاثة

وما نفع اليهود تحريمهم أكل الخنزير وهم بربهم يشركون

وما نفع المشركين تحريمهم قتل النفس وهم بربهم يعدلون

فالتوحيد هو باب الإسلام , و مفتاح باب الجنان , وهو أعظم مثقل للميزان , و أعظم مكفر للذنوب , وبدونه لا يقبل الله صرفا ولا عدلا ,

يقول تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ) [النساء : 48]

فبدون التوحيد الخالص لله لا يكون المسلم مسلما , وإن صلى وصام وتصدق

يقول تعالى ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ) [الفرقان : 23]

أي من لم يكن عمله خالصا لله , لا ينفعه , وإن عمل الخير , بل سيجعله الله كالغبار المتناثر تحت أشعة الشمس

الإمام محمد بن عبدالوهاب هداه إلى هذا المعنى الأعظم , إلا وهو الدعوة إلى التوحيد

ومن أراد في أي زمان أن ينصر دين الله حقا , وأن ينصره الله , فليسلك مسلك الأنبياء في الدعوة كما سلكه الإمام محمد ابن عبدالوهاب

وليبشر بالنصر والتمكين والخير العظيم في الدنيا والآخرة

فالتمكين يأتي من السماء لا من الأرض وإن كثر جند الأرض وأسلحتهم

وبدون أن نجعل الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك أول الأولويات , لا نصر ولا تمكين , وإن كثرت المصنفات والمحاضرات والمناظرات والندوات والبيانات بدون هذا الأصل الأصيل

وسيبقى المسلمون يدورون في حلقة مفرغة ما لم يدركوا هذا

ولو أن أحدا ( أو جماعة ) نذر دعوته كلها للدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك , وتعليم عوام الناس وخاصتهم ذلك , للقي الله سبحانه ومعه حجة

فلينزل الدعاة إلى مستوى الناس البسطاء , في الإعلام ( خصوصا ) و في كتبهم و محاضراتهم و خطبهم وفي منتديات العامة وساحاتهم , يبلغوهم رسالة ربهم , حاملين إرث الأنبياء والمرسلين , يبينون لهم ويفصلون ما هو التوحيد , ويبينون لهم ويفصلون ما هو الشرك , ويشرحون لهم كيف أن الشرك محبط للأعمال , مانع من دخول الجنة موجب لدخول النار , وهم محتسبون صابرون على ما قد يواجهونه من أذى

ولو كان الله مرسلا في زمننا رسولا بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين ولا نبي بعده , لما بدأ بشيء من الدعوة قبل الدعوة إلى التوحيد والتحذير مما يضاده

هكذا هي دعوة الأنبياء والمرسلين , اقرؤوا القرآن العظيم والسنة المطهرة ستجدون هذا

اسأل الله سبحانه أن يرحم الإمام محمد بن عبدالوهاب وأن يغفر له , وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأن يجعل داره في الفردوس الأعلى من الجنة

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق