الاثنين، 6 فبراير 2012

الطريقة الشرعية في الإنكار على ولاة الأمر ونصحهم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد

من المحدثات التي أدخلها بعض المسلمين في الإسلام وليست منه , الإنكار العلني على ولاة الأمر باسم حرية الرأي والديمقراطية ورفع الظلم

وهذا خلاف ما جاءت به النصوص وما قرره علماء هذه الأمة منذ زمن السلف الصالح وإلى يومنا هذا

فلم يكن من طريقة السلف أن يجمعوا الناس وينكروا على ولاة الأمر أو يذكروا معايبهم تحت أي ذريعة ، لأن هذا الفعل يوغر صدور الناس على ولاتهم ويصد الولاة عن قبول الحق والإذعان له

وما ورد من إنكار بعضهم على الحاكم أمام الناس فإنه كان لأمور لا ينبغي تأخير إنكارها عن وقت حاجتها

وإلا فجمع الناس في مسجد أو الحديث لهم من خلال وسيلة إعلامية أو في الانترنت كما يفعل بعضهم في زمننا هذا ثم  ذكر معايب الولاة والإنكار عليهم فإن هذه طريقة مبتدعة حذر الشارع منها لأنها تفضي إلى الشر

هذا  لأن الإنكار على الولاة وذكر معايبهم وتأليب العامة عليهم أعظم ضررا

وهي مقدمة للخروج على الحاكم وانتشار الفوضى واختلال الأمن وسفك الدماء بشواهد التاريخ والحاضر 

فالإنكار على الولاة علنا يسقط هيبة الحاكم أو يهزها في أعين عامة الناس , وإسقاط هيبة الحاكم له أبعاد خطيرة جداً على المجتمعات , لا يماري في هذا إلا جاهل أو مكابر

لذا فالواجب التسليم والإلتزام بضوابط الشرع في إنكار المنكر أو نصح الحاكم

فالبعض لا يلتزم بالضوابط الشرعية في إنكار المنكر , فإذا وقع الشر نتيجة عدم التزامه تبرأ منه , مع أنه هو المتسبب فيه ابتداءا 

والإنكار على الولاة علنا وذكر معايبهم هو مقدمة الخروج بالسيف

فما خرج قوم بالسيف وإلا سبق ذلك ومهد له وشجع عليه خروج باللسان هذا ما قرره أهل العلم وهذا ما يشهد به التاريخ والحاضر

ومن أنكر الخروج بالسنان ولم ينكر الخروج باللسان فهو جاهل 



إليكم بعض الأدلة التي تبين الطريقة الشرعية في الإنكار على ولاة الأمر ونصحهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به ، فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه » . رواه أحمد وغيره وصححه الألباني

قال الإمام الشوكاني : ( ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده و يخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله) السيل الجرار

وعن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس رضي الله عنهما آمر إمامي بالمعروف ؟ قال: إن خشيت أن يقتلك فلا؛ فإن كنت ولا بد فاعلاً ففيما بينك وبينه, ولا تغتب إمامك" ) رواه سعيد بن منصور في سننه , والبيهقي في "الشعب" .

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلِّمه ؟ فقال: (أترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم ؟ والله لقد كلَّمتُهُ فيما بيني وبينه من دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه ) رواه البخاري ومسلم

قال القاضي عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام؛ لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سرًّا فذلك أجدر بالقبول. 






قال النووي  موضحا قصد أسامة (قوله "أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من افتتحه" يعنى المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ)

و قال الشيخ الألباني معلقا على الحديث : يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ لأن في الإنكار جهاراً ما يُخشى عاقبته؛ كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً؛ إذ نشأ عنه قتله". (مختصر صحيح مسلم، للألباني 335).

قال ابن النحاس : ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يودّ لو كلَّمه سراً ونصحه خفية، من غير ثالث لهما ) تنبيه الغافلين

قال الإمام محمد بن عبدالوهاب : والجامع لهذا كله أنه إذا صدر المنكر من أمير أو غيره أن ينصح برفق خفية ما يشرف عليه أحد فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر إلينا خفية ) تاريخ ابن غنام

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز ( ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن فلانا يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم. ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان، قال بعض الناس لأسامة بن زيد -رضي الله عنه-: ألا تنكر على عثمان، قال: أنكر عليه عند الناس؟! لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب شر على الناس. ولما فتحوا الشر في زمن عثمان -رضي الله عنه- وأنكروا على عثمان جهرة، تمت الفتنة القتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً، حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه، نسأل الله العافية) نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة


قال الشيخ عبدالرحمن السعدي

( وأما النصيحة لأئمة المسلمين )

إلى أن قال


( واجتناب سبِّهم، والقدح فيهم، وإشاعة مثالبهم؛ فإن في ذلك شرّاً، وضرراً، وفساداً كبيراً


فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرّاً لا علناً، بلطفٍ وعبارة تليق بالمقام، ويحصل بها المقصود؛ فإن هذا هو المطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور؛ فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص، واحذر أيها الناصح لهم - على هذا الوجه المحمود - أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم: إني نصحتهم، وقلت وقلت؛ فإن هذا عنوان الرياء، وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أُخر معروفة ) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالة لأحد القضاة

( بلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي ، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية ، وليس من شروطها أن لا يقع منها زلل ، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير , ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد ، وإفتاء بين المتخاصمين ، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين .

ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك, والقاضية على فكرك, والحاكمة على تصرفاتك ؛ بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها ؛ وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين ، ولم تفعل ذلك أصلا ؛ إلا أنها غير معصومة فقط ؛ فأنت كن وإياها أخوين : أحدهما مبين واعظ ناصح، والآخر: باذل ما يجب عليه كاف عما ليس له . إن أحسن دعا له بالخير ونشّط عليه ، وإن قصّر عومل بما أسلفت لك ، ولا يظهر عليك عند الرعية, ولا سيما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير, وانتقادك إياه ؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء ، وغير ما تعبدت به ، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه ، وأن تكون جامع شمل ، لا مشتت ، مؤلف لا منفر .

واذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى " يسر ولا تعسر ، وبشروا ولا تنفروا ، وتطاوعا ولا تختلفا " أو كما قال . صلى الله عليه وسلم وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك, وللأمير, ولكافة الجماعة, ولإمام المسلمين . والله ولي التوفيق . والسلام عليكم ) فتاوى ورسائل الشيخ ابن إبراهيم 12/182و183)

وقال الشيخ صالح بن عثيمين في كتابه ( مقاصد الإسلام )

( فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علنا، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم والله يتولى الهدى )

اسمع ماذا قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى





وهنا الشيخ ابن عثيمين يؤكد أن جميع ما ورد عن السلف في الإنكار على الولاة كان أمامهم لا خلفهم







واسمع أيضاً ماذا يقول الشيخ صالح الفوزان






والله أعلم وأحكم وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل


هناك 3 تعليقات:

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. بارك الله في جهودكم في نشر هدى النبي المصطفى عليه افضل الصلاة وآزكى السلام وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ورضي الله عن صحابته الغر الميامين .

    ردحذف
  3. الرد على شبهة أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر تكون بالتهييج على المنابر وبالمظاهرات ..
    قالوا إخوان المسلمين والخوارج إن صياحنا في الشوارع بالهتافات المضادة للسلطة هذا هو كلمة الحق عند السلطان الجائر .
    وأقول : إن من تأمل الحديث المذكور يظهر له أن الحديث في وادي وأنهم في وادي آخر وذلك بسبب تصورهم الخاطىء لهذا الحديث وفهمهم السقيم له ومن ثم بناء حكم سقيم على فهمهم السيئ ويظهر ذلك من وجهين :
    الأول : في ما هية كلمة الحق عند سلطان جائر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلمة حق وعدل ) وهي عند الحماسيين الحركيين عبارة عن كلمة سب وشتم وطعن وفضح وهتك وتعيير وتكفير !
    وأما عند السلفيين فالمراد بكلمة الحق والعدل هو ما أفاد أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر من لفظ أو ما في معناه ككتابة ونحوها ) كما في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوى .
    والثاني : في المكان الذي تقال فيه كلمة الحق تلك فقد قال عليه الصلاة والسلام ( عند سلطان ) ولم يقل ( في الشوارع والأسواق وعلى الملأ بالصياح والنياح كما عليه المتظاهرون الآن )
    والمقصود من ذلك أنه عندما يقول كلاماً باطلاً في مجلسه لا يسكت عليه وإنما يبين له أن الحق هو كذا ولا يقر الباطل ويسكت عليه وإنما يبين الحق وأنه خلاف ما يقول وأن الذي قاله ليس بصحيح وإنما الصحيح هو كذا وكذا لأن هذا هو الذي جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام.
    ولا شك أن المكان الذي يقول فيه المتظاهرون ليس عند الحاكم
    فلا يبقى لهم متمسك بالحديث السابق ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم" من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه" السنة لابن أبي عاصم وصححه الألباني .
    وفي صحيح البخاري أيضاً "أنا أسامة بن زيد جاءه جماعة وقالوا له ألا تنصح لعثمان ؟ ألا ترى ما نحن فيه ؟ فقال: أما إني لا أكون فاتح باب فتنة وقد بذلتها له سراً "
    فدل ذلك على اشتراط أن تكون النصيحة سراً.
    ✔ بعض الناس يقول كيف نوفق بين حديث "من أراد ان ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية" وكما قال رسول الله وحديث "خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى ذي سلطان فأمره ونهاه فقتله" أو كما قال رسول الله؟
    الجواب: لا معارضة ولا اختلاف بين الحديثين لأن حديث "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" فيه قوله "إلى إمام جائر"
    بمعنى أتاه في خاصة نفسه فنصحه كالحديث الأول يفسره حديث "أفضل الجهاد كلمة عدل وفي رواية حق عند سلطان جائر" فالمراد أنه أتاه في مجلسه ونصحه في خاصة نفسه.
    ✔وهنا نكتة علمية :
    جاء التعبير في الحديث بصيغة اسم الفاعل جائر ليدل على أن وصف الجور ثابت مستقر دائم ملازم في هذا الإمام وعليه فإن هذا الوصف لا يصدق على من كان يجور أحياناً لأنه لا يقال له جائر.
    ✔تنبيه : الرواية التي ذكرتها مقيدة للحديث الذي أوردته بأن يكون ذي السلطان موصوفاً بالجور وعليه فإنه يشترط لنيل هذه الدرجة العالية الشروط التالية:
    - أن يقوم له نصيحة فيأمره وينهاه.
    - أن يأتيه في مجلسه وينصحه في خاصة نفسه.
    أن يكون ذو السلطان موصوفا بالجور.
    أن يقتله.
    مما تقدم تعلم خطأ ما يفعله بعض الناس من الإنكار العلني على المنابر أو في الدروس أو المحاضرات أو الجلسات
    فإن هذا ليس من طريقة أهل السنة في معاملة ولي الأمر إذا أريد نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
    وليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
    أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل فينكر الزنا وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله فذلك واجب لعموم الأدلة.
    ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم.
    ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان قال بعض الناس لأسامة بن زيد ألا تكلم عثمان؟ فقال إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
    ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علنا حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه .
    نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر إنه سميع مجيب.

    ردحذف